الخلع
أولاً: تعريف الخلع:
الخلع في اللغة: معناه الإزاله، يقال خلع فلان ثوبه اذا ازاله، وخلع الزوج زوجته اذا ازال زوجيتها وقد جرى العرف على تسمية الازالة لغير الزواج بفتح الخاء، وعلى تسمية الازالة للزواج بضمها وقد سميت ازالة الزوجية بذلك، لان كلا من الزوجين لباس الاخر، قال تعالى «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن» فكأنه بمفارقة الآخر نزع لباسه.
وشرعاً: هو ازالة الزوجية بلفظ الخلع او في معناه في مقابل عوض تدفعه الزوجة لزوجها، والاصل فيه قوله تعالى «ولا يحل لكم ان تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً إلا ان يخافا ألا يقيما حدود الله، فإن خلفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به». وقوله
r
لثابت بن قيس «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة» وتمام الحديث كما رواه البخاريوقد انعقد الاجماع على جواز الخلع اذا كانت هناك حاجة تدعو إليه كسوء العشرة والبغض للزوج.
شروط صحة الخلع:
1-
أن يفع من زوج يصح طلاقه.
2-
ان تكون الزوجة محلا للطاق.
3-
ان تكون الصيغة بلفظ الخلع او ما يدل على معناه كالابراء والافتداء.
4-
ان يكون الخلع على عوض من جهة الزوجة.
5-
ان يرضى به كل من الزوجين.
بدل الخلع:
بدل الخلع هو العوض الذي تلتزم به الزوجة لزوجها في مقابل طلاقها منه بسبب شدة البغض الذي طرأ على قلب المرأة فكرهت زوجها وأبغضته وأرادت أن تخلص نفسها من عصمته ويجوز اخذ البدل منها في هذه الحالة، فلو حصل الاتفاق بينها وبين زوجها على مال معلوم، وخالعها الزوج على ذلك المال صح الخلع وجاز للزوج ان ياخذ العوض، سواء أكان أقل من المهر الذي دفعه لها، أم كان مساوياً له، فإن كان البدل أكثر من المهر جاز أخذه عند جمهور الفقهاء ولا إثم عليه في أخذه ولكنه يستحب عدم الزيادة في بدل الخلع عن المهر المدفوع لها، وهذا مأخوذ من قوله تعالى « وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» والآية الكريمة جوزت اخذ الفداء منها بغير إثم وهو مطلق فيشمل الأقل من المهر والمساوي له والزائد عنه. ويرى بعض الفقهاء ان اخذ الزيادة عن المهر لا يجوز ويجب على الزوج ان يردها الى زوجته، لان النبي
r
قال لامرأة ثابت بن قيس: أتردين عليه حديقته؟ قالت : نعم وزيادة، فقال أما الزيادة فلا) وقد أمر النبي
r
ان ياخذ ثابت بن قيس منها حديقته ولا يزداد. هذه هي الحالة التي يكون البغض فيها من جهة الزوجة، وقد يكون البغض من جهة الزوج وحده ، وقد يكون البغض من جهتهما معا. فاذا كان البغض من جهتهما معا جاز الخلع وأبيح أخذ العروض عليه كما هو الحكم في الحالة الأولى والآية صريحة في الدلالة على ذلك. وان كان البغض والكراهية من جهة الزوج وحده، فلا يجوز ان يأخذ من زوجته عوضا في مقابل طلاقها ولو كان قليلاً. واذا حصل الاتفاق على عوض معين وجب على الزوجة ان تدفعه لزوجها في مذهب الحنيفة. ويخالفهم المالكية في ذلك فيقولون بعدم حل أخذ العوض من الزوجة في حالة الإضرار بها، واذا طلبت اسقاطه عنها بعد الخلع للاضرار سقط عنها، وهو راي سديد لانه يعتبر اكراها على بذل الملل لزوجها في سبيل طلاقها، وهذا لا يجوز وينبغي ان يعمل به لما فيه العدالة.
ما يكون بدلا في الخلع:
البدل في الخلع يجوز ان يكون من النقود المتداولة بين الناس، ويجوز ان يكون شيئاً آخر غيرهما، كالعقار وسكنى الدار، وعلى هذا يصح بكل ما يسمى بالمال المتقوم في نظر الإسلام. فان كان البدل صحيحا صح الخلع وترتب عليه اثاره، وان كان البدل غير صحيح كخمر وخنزير مثلا وقعت الفرقة بين الزوجين، وكانت طلاقا بائنا في مذهب الحنفية، وطلاقا رجعيا في القانون المعمول به الآن.
هل الخلع طلاق أو فسخ؟
اختلف الفقهاء في حكم الخلع الذي توافرت فيه شروط صحته، فالجمهور منهم على ان طلاق والشافعي واحمد ومن وافقهما على انه فسخ للعقد وليس طلاقا. وهذا الخلاف يترتب عليه أثر ظاهر، فمن يعده طلاقا يحسب على الزوج ينتقص به عدد الطلاق، ومن يعده فسخا لا ينتقص به العدد. والذين يعتبرون الخلع طلاقا يقولون انه طلاق بائن، لانه لو كان للزوج امكان المراجعة لزوجته التي خالعها واخذ العوض منها في أثناء العدة لما كان لافتدائها معنى. والعمل الآن في المحاكم المصرية يجري على هذا وقد نص القانون على ان كل طلاق على مال يقع بائنا والخلع طلاق على مال
صفة الخلع:
ينبني على اختلاف صفة الخلع بالنسبة للزوجين الأحكام الآتية:
1-
اذا كان الايجاب من الزوج في الخلع، كقوله لزوجته: خالعتك على مؤخر الصداق، فليس له الحق في الرجوع عن الايجاب قبل دخول زوجته ولا يستطيع ان يفسخه، ولا يملك ان يمنع الزوجة عن القبول، وذلك لان التعليق لا يمكن الرجوع فيه. ويختلف الحكم عن ذلك لو كان الايجاب من الزوجة، فلو قالت لزوجها خالعني على خمسين جنيها، فيجوز لها ان ترجع عن ايجابها قبل قبول زوجها ويبطل الايجاب ايضا بقيامها من مجلس العقد، وبقيام زوجها كذلك، لان الايجاب في المعاوضات يصح الرجوع عنه قبل صدور القبول من الطرف الآخر.
2-
ايجاب الزوج في الخلع يجوز على شرط مثل: إن جاء والدتك إلى البيت خالعتك على كذا، ويجوز اضافته الى زمن مستقبل كقوله: خالعتك على خمسين جنيها اول الشهر القادم، والايجاب من الزوجة لابد ان يكون منجزا، لأنه من جهتها تمليك مالي، والتمليك لا يجوز فيه التعليق ولا التأقيت.
3-
لا يجوز للزوج ان يشترط الخيار لنفسه في الخلع، لانه لا يجوز له الرجوع فيه – كما سبق – والخيار يبيح له الرجوع، وعلى هذا يكون الشرط باطلا والخلع صحيحا وتلتزم المرأة بالعوض المتفق عليه ويقع الطلاق بائنا في الحا. ويجوز للزوجة ان تشترط الخيار لنفسها في الخلع ثلاثة ايام فاكثر على رأي الإمام أبي حنيفة. وخالف الصاحبان ابا حنيفة فقالا: لا يجوز للزوجة ان تشترط الخيار لنفسها في الخلع مثل زوجها ، ولو اشترطت ذلك كان الشرط باطلا ، ويقع الطلاق ويجب البدل على الزوجة لزوجها، لان العقد لا يبطل بالشرط الفاسد وانما يلغو الشرط ويصح العقد.
خلع الزوجة التي ليست اهلا للتبرع:
اذا كانت الزوجة صغيرة مميزة وخالعها زوجها على مائة جنيه مثلا وقبت ذلك وقع الطلاق لانه علق الطلاق على قبولها وقد قبلت، وقبولها صحيح لوجود التمييز، ولا يلزمها البدل، لانها ليست اهلا للتبرع. ومثلها المرأة الكبيةر المحجور عليها لسفهها اذا خالعها زوجها، يصح الخلع ويقع الطلاق ولا يلزمها المال، لانها ليست اهلا للتبرع. واذا قام بالخلع والد الصغيرة او ما في حكمها صح الخلع اذا كان البدل من ماله الخاص، ووقع الطلاق ولزمه المال ولا يجوز له الرجوع على مال الصغيرة وما في حكمها. ويقع الطلاق بناء على الرأي الصحيح في المذهب الحنفي، لان الطلاق معلق على قبول الأب وقد وجد المعلق عليه وهو القبول فيقع الطلاق.
الآثار المترتبة على الخلع:
1-
وقوع الطلاق بائناً: لان الزوجة ما دفعت المال إلا لتخليص نفسها من زوجها ولا يحصل ذلك ويكون امرها بيدها الا اذا كان الطلاق بائنا.
2-
لزوم بدلا الخلع في ذمة الزوجة: سواء كان هذا البدل نقوداً أو غيرها من الاشياء المالية التي تقوم بمال او من المنافع التي تقابل بمال وسواء كان البدل هو المهر كله او بعضه او كان شيئاً آخر سوى المهر، لأن الزوج علق طلاق زوجته على قبول البدل وقد رضيت به فلزمها.
3-
سقوط الحقوق المالية الثابتة: يسقط بالخلع حقوق الزوجة المالية الثابتة لها في ذمة زوجها مثل المهر الذي لم تقبضه والنفقة المتجمدة، ومؤخر الصداق، ويسقط به حقوق الزوج المالية ايضا، واذا كان الخلع بعد قبض المهر وقبل الدخول، فلا يأخذ منها نصف المهر.
أما الحقوق التي تثبت بعد الخلع فلا تسقط بالنص عليها وذلك كنفقة العدة، اذا نص على سقوطها في الخلع سقطت وكانت من البدل واذا لم ينص عليها فلا تسقط وانما سقطت الحقوق المالية المذكورة لان الغرض من الخلع ازالة الزوجية وقطع النزاع بين الزوجين ولا يتحقق ذلك الا بسقوط هذه الحقوق المالية السابقة. وهذا ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه، وخالفه في ذلك محمد فمنع من سقوط اي حق مالي لأحدهما على الآخر بالنص، لأن الخلع ليس صريحا في اسقاط هذه الحقوق، ولا فرق عندهما بين لفظ الخلع ولفظ المبارأة، وفرق أبو يوسف بينهما، فوافق أبا حنيفة في لفظ المبارأة ووافق محمد في لفظ الخلع.، والراجح في نظري هو رأي محمد: لأن الخلع له بدل حصل الاتفاق عليه، فلا تدفع الزوجة سواء ، ولا يسقط بالخلع غيره، والزوج في الخلع آخذ المال لا معطي، فسقوط حقوقه المالية يكون في معنى الإعطاء وهو مخالف لمشروعية الخلع، وقد جرى على هذا الرأي القانون رقم 25 لسنة 1920 حيث اعتبر النفقة المتجمدة للزوجة تعتبر دينا ولا تسقط الا بالأداء أو الإبراء فقط.
الطلاق على مال:
الطلاق على مال: هو الذي تكون صيغته بلفظ من ألفاظ الطلاق الصريحة او الكناية في مقابل مال تدفعه الزوجة لزوجها، وهو بهذا التعريف يكون غير الخلع، ولا تترتب عليه احكما الخلع، وانما تترتب عليه احكام خاصة به بعضها يتفق مع أحكام الخلع وبعضها يختلف فالأحكام التي يتفقان فيها هي كما يأتي:
1-
قبول الزوجة للخلع والطلاق على مال أمر لابد منه:
2-
الطلاق الذي يقع بالخلع وبالطلاق على مال يكون طلاقا بائنا.
والأحكام التي يختلفان فيها هي كما يأتي:
1-
الطلاق على مال لا يسقط أي حق مالي أصلا بالاتفاق بين أئمة المذهب الحنفي، والخلف يسقط بعض الحقوق المالية عند أبي حنيفة كما سبق.
2-
اذا بطل البدل في الطلاق على مال وقع الطلاق رجعيا، واذا بطل البدل في الخلع وقع الطلاق بائنا.
والذي يجري عليه العمل الآن في محاكم جمهورية مصر العربية ان اذ بطل البدل في الخلع او في الطلاق على مال وقع الطلاق رجعيا.
:. الموضوع الاصلى: الخلع فى الشريعةالاسلامية | المصدر: منتديات شوق القمر | كاتب الموضوع: محمد عثمان .:

0 التعليقات: